..حبيبـي
بعد مناقشات ومشاداتواختلافات فى وجهات النظر ، استطعتُ أخيراً - بتأييد من أبي - أن أقنع أمي بفكرةزواجنا ، فلقد تغير حال أمى كثيراً فى الآونة الأخيرة خاصة بعدما رأت تمسكى الشديدبك
بل إنك قد لا تصدقني إن قلتلك أنها فى آخر مرة تناقشنا فيها حول هذا الموضوع قالت أنها لم تعد ترفض فكرة زواجىمن شخص مختلف الجنسية حتى ولو كان بلا بطاقة هوية مادمت أحبه وأرى فيه الرجل الوحيدالقادر على تحقيق سعادتي
كل هذا وأكثر كتبته لك فىخطابين سابقين .. وكنت أعتقد أن هذا سيسعدك كثيراً ولكنك لم ترد .. إنك لا تعرف كميكلّف المرأة أن تكون صاحبة المبادرة .. وها أنا أدعوك للزواج مني وأنت لاترد
*********
استيقظُ مع كل صباح وكلي أملبأن عم إبراهيم ساعى البريد سيطرق بابنا ومعه خطاباً منك .. ولكن الأيام تتوالى ولايأتى عم إبراهيم .. وقلقي عليك يزداد يوماً بعد يوم
*********
وفى صباح أحد الأيام وأناجالسة مع أبي وأمي فى شرفة منزلنا نتناول طعام الإفطار .. فإذا برائحة الياسمين تهبقوية.. وتحولت عينى إلى الناحية التي تهب منها الرائحة.. ورأيته.. نعم رأيته.. إنهعم إبراهيم.. ها هو قد حضر أخيراً ومعه من الكلمات ما انتظرتهطويلاً
قفزت درجات السلم بسرعة وكليلهفة أن أفتح رسالتك.. وقلبى يسابقني إلى عم إبراهيم
تفضلي بالتوقيع .. من فضلك -
لِـمَ ؟ -
طـرد -
وتسلمت لفافة كبيرة تفوح منها رائحةالياسمين.. وصعدت درجات السلم بسرعة كبيرة كادت تتسبب فى سقوطي.. ودخلت إلى غرفتي.. وأغلقت بابها.. وعقلي يتساءل يا ترى ما الذى يحتويه هذا الطرد الكبير؟
بدأت فى فتح الطرد .. ورائحةالياسمين التى أعشقها كما تعلم تملأ أنفي فتزيدنى نشوة وفرحاً.. لست أذكر من كانمنا صاحب الفكرة أنا أم أنت.. طوق من الياسمين يغلف كل رسالة أرسلها لك.. وطوق منالياسمين يعطر كل رسالة أتلقاها منك
وفتحت الطرد فعلاً ..
ما كل هذه الأوراق ؟؟!! ..وما كل هذه الأطواق ؟؟
إنها رسائلى إليكَ.. كلالرسائل التى أرسلتُها إليكَ على مدار عامين.. وكل أطواق الياسمين التى كانتتغلّفها وقد أصابها الذبول والاصفرار.. وورقة واحدة كبيرة مكتوب عليها بخطك الذى لاتخطئه عيني...
:
" لا تنتظرينــــــي "
*********
لستُ أدري كم مر من الوقتوأنا أخفي وجهي بين الخطابات .. ولست أدري كم من الدموع التي سكبتها قبل أن أخرج منغرفتي وأتوجه إلى كلّيتي
لماذا خرجت من غرفتي ؟!! .. لست أدري
ولماذا أذهب إلى الكلية الآن؟!! .. لست أدري
ربما لأحاول أن أخرج من تلكالحالة التي أنا فيها
ولست أدرى لماذا يأتىصوت فيروز من بعيد الآن
"حَبوا بعضٌ .. تَركوا بعضٌ ..."
*********
فى عامي الأول بالكلية تعرفتعليك .. وكنت تكبرني بأعوام ثلاثة.. ونشأ الحب بيننا من اللقاء الأول.. وبعد أنأنهيت دراستك.. سافرت على وعد بأن تعود حينما أنهي دراستي لنتمم إجراءاتالزواج
وسط زميلاتي البنات جلست فىالمحاضرة وذهني شارد تماما.. حتى الآن لا أستطيع أن أفهم ما حدث.. أبعد كل هذا الحب؟! .. أبعد كل تلك السنوات التى قضيتها وأنا أنتظرك وأعارض الدنيا كلها من أجلك.. عارضت والدتي للمرة الأولى من أجلك .. ورفضت كل من تقدموا لخطبتي منأجلك
حتى زميلاتي وصديقاتي كانودائما ما ينصحوني بأن زواجنا أمراً مستحيلاً
كنت أقف فى وجه كل هؤلاءوانا واثقة تماما بأن الدنيا كلها ستكون ملكي مادمت معك.. الآن أتذكر كل ما كانوايقولونه عنك
أكانوا على صواب؟
إننى كنت أثق بك أكثر مننفسي.. أتتركني هكذا بمنتهى السهولة.. إنك لم تكلف نفسك حتى أن تخلق لي أعذاراً حتىوإن كانت وهمية أو واهية
حتى تلك الأعذار التى ماكانت ترضيني لم تكلف نفسك عناء كتاباتها إليّ
*********
أخرجُ من كليتي وأتوجهإلى منزلي.. أسير فى الطرقات وعقلي يحمل ألف ألف سؤال.. وكلهم بلا إجابة.. إنكالوحيد القادر على إجابة تلك الأسئلة.. كل ما حولى يدعونى كى أفيق مما أنا فيه.. ولكن كيف ؟.. أيمكن أن أفعل مثلك وأنسى الماضى كله فى لحظة مثلما فعلت أنت أم أنهذا الماضي لم يكن يمثل لك شيئا حتى تنساه
قدماي تورمت من السير عليهما .. لست أدري كم من الوقت مضى وأنا أسير هكذا ؟!! .. ووجدت محطة حافلات بالقرب منيفتوجهت إليها وجلست
كم أنا منهكة ومتعبة ولكنالحزن الذي بداخلي كان أكبر وأقوى من أن يجعلني أشعر بالتعب
فجأة.. وأنا جالسة علىالمحطة.. سمعت اسمك.. نعم سمعت اسمك.. إن لإسمك وقعاً مميزاً لا تخطئه الأذنأبداً.. توجهت بعيني إلى حيث سمعت أذني اسمك فوجدت رجلين واقفين يتبادلان الحديث.. اقتربت منهما.. وسألتهما عنك.. هل يعرفانك؟!.. ولماذا يرددان اسمك؟
بدت عليهما ملامح التعجبوناولني أحدهم جريدة كان يمسكها بيده فوجدت فى صدر صفحتها الأولى صورتك .. نعم إنهأنت .. ومكتوب تحتها
أسفرت العملية الاستشهاديةالتى قام بها الشاب الفلسطينى ..... عن موت .... اسرائيلي .. وإصابة آخرين ، وتدمير .... و .... و
*********
لم تقوى قدماي على حمليبعدها .. ولست أذكر ماذا حدث بعدها ايضاً
إلا أنني سأظل أجلس مساء كلجمعة أكتب لك خطابي الأسبوعى المعتاد
وأزينه بطوقالياسمين
ولكن بدلاً من أن أرسله إليك .. سأودعه درج مكتبي